فصل: تفسير الآيات (19- 24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال الشنقيطي:
قوله تعالى: {وأمّا الْقاسِطُون فكانُوا لِجهنّم حطبا} لا يعارض قوله: {إِنّ اللّه يُحِبُّ الْمُقْسِطِين} لأن القاسط هو الجائر والمقسط هو العادل فهما ضدان.
قوله تعالى: {ومنْ يعْصِ اللّه ورسُولهُ فإِنّ لهُ نار جهنّم خالِدِين}.
الآية.
أفرد الضمير في قوله: {له} وجمع قوله: {خالدين}؟
والجواب هو ما تقدم من أن الإفراد باعتبار لفظ من والجمع باعتبار معناها وهو ظاهر. اهـ.

.تفسير الآيات (19- 24):

قوله تعالى: {وأنّهُ لمّا قام عبْدُ اللّهِ يدْعُوهُ كادُوا يكُونُون عليْهِ لِبدا (19) قُلْ إِنّما أدْعُو ربِّي ولا أُشْرِكُ بِهِ أحدا (20) قُلْ إِنِّي لا أمْلِكُ لكُمْ ضرّا ولا رشدا (21) قُلْ إِنِّي لنْ يُجِيرنِي مِن اللّهِ أحدٌ ولنْ أجِد مِنْ دُونِهِ مُلْتحدا (22) إِلّا بلاغا مِن اللّهِ ورِسالاتِهِ ومنْ يعْصِ اللّه ورسُولهُ فإِنّ لهُ نار جهنّم خالِدِين فِيها أبدا (23) حتّى إِذا رأوْا ما يُوعدُون فسيعْلمُون منْ أضْعفُ ناصِرا وأقلُّ عددا (24)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان من يدعو سيده وينقطع إليه عاملا للواجب عليه اللائق بأمثاله لا ينكر عليه ولا يعجب منه، إنما يعجب ممن دعا غير سيده أو مال إليه أدنى ميل فيسأل عن سببه، قال معجبا من القاسطين من الجن والإنس: {وأنه} أي أوحي إليّ أو قال الجن لمن أطاعهم من قومهم حاكين ما رأوا من صلاته صلى الله عليه وسلم وازدحام أصحابه عليه متعجبين من ذلك أن الشأن أو القصة العظيمة العجيبة {لما} قمت كادوا يكونون عليّ- هكذا كان الأصل ولكنه عبر بالعبد كما تقدم من أن من دعا سيده ولو كان ذلك السيد أحقر الموجودات لا يفعل به ذلك، فكيف إذا كان سيده مالك الملك وملك الملوك {قام عبد الله} أي عبد الملك الأعلى الذي له الجلال كله والجمال فلا موجود يدانيه بل كل موجود من فائض فضله {يدعوه} أي يدعو سيده دعاء عبادة من حيث كونه عبده ومن حيث كون سيده يسمع من دعاه ويجيبه.
ولما كان القاسطون أكثر الناس بل الناس كلهم في ذلك الزمان جنا وإنسا، قال مبينا لأنه يجوز على الأنبياء أن يؤذوا وينتقصوا رفعا لدرجاتهم وتسلية لوراثهم وإن كانت رتبتهم تأبى ذلك، {كادوا} أي قرب القاسطون من الفريقين الجن والإنس {يكونون عليه} أي على عبد الله {لبدا} أي متراكمين بعضهم على بعض من شدة ازدحامهم حتى كان ذلك جبلة لهم تعجبا مما رأوا منه من عبادته وإرادة لرده عن ذلك، وذلك أمر لا يعجب منه، وإنما العجب ما فعلوا هم من عبادتهم لغيره سبحانه وتعالى ومن تعجبهم من عبادة عبده له وإخلاصه في دعائه، وهو جمع لبد- بكسر اللام، وقرئ بضم اللام جمع لبدة بضمها، وهي ما تلبد بعضه على بعض.
ولما استشرفت- على قراءة الكسر- نفس السامع إلى قوله صلى الله عليه وسلم لمن تراكموا عليه من ذلك، استأنف الجواب بقوله مبينا لما يستحيل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من دعاء غير الله ومن ترك الدعاء إليه من مخالفة شيء من أمره قال، أو لما تاقت نفسه صلى الله عليه وسلم على قراءة الفتح إلى ما يدفع به ما رأى منهم، قال تعالى مرشدا له إلى ذلك: {قل} أي لمن ازدحم عليك عادا لهم عداد الجاهلين بما تصنع لأنهم عملوا عمل الجاهل: {إنما أدعوا} أي دعاء العبادة {ربي} أي الذي أوجدني ورباني ولا نعمة عندي إلا منه وحده، لا أدعو غيره حتى تعجبوا مني فتزدحموا عليّ والظاهر المتبادر إلى الفهم أن المعنى: وأوحي إليّ أي لما قمت في الصلاة أعبد الله في بطن نخلة ورآني الجن الذين وجههم إبليس نحو تهامة وسمعوا القرآن ازدحموا عليّ حتى كادوا يغشونني ويكون بعضهم على بعض فسمعوا توحيدي لله وتمجيدي له وإفراده بالقدرة والعلم وجميع صفات الكمال آمنوا، وقيل: هو حكاية الجن لقومهم عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه وراءه في تراصهم في صلاتهم وحفوفهم به ووعظه وتعليمه لهم، ويحكى هذا القول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وسعيد بن جبير فإن ذلك هيئة غريبة، يحكى أن ملك الفرس أرسل من دخل في المسلمين لما قصدوا بلاده فكان مما حكي له عنهم أن قال: إذا صلوا صفوا أنفسهم صفوفا ويقدمهم رجل يقومون بقيامة ويسجدون بسجوده ويقعدون بقعوده ويفعلون كفعله، لا تخالف بينهم، فلما سمع الملك ذلك راعه وقال: ما لي ولهؤلاء، ما لي ولعمر، ونقل أبو حيان عن مكحول أنه بلغ من تابع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن سبعين ألفا وفرغوا عند انشقاق الفجر.
ولما كان الداعي لولي نعمته يمكن أن يكون أشرك غيره في دعائه ولو بأدنى وجوه الإشراك، ويكون الحصر باعتبار الأغلب فاستحق الإنكار عليه والازدحام، نفى ذلك بقوله تأكيدا لمعنى الحصر وتحقيقا له: {ولا أشرك به} أي الآن ولا في مستقبل الزمان بوجه من الوجوه {أحدا} من ود وسواع ويغوث وغيرها من الصامت والناطق.
ولما كان السامع ربما قال: ما له هو لا يهلكهم أو يدعو ربه في دفع المتبلدين عليه عنه بالإهلاك أو التوبة والمتابعة، أمره بما يبين عظمة ربه وأنه لا يفعل إلا ما يريد بقوله مبينا أنه يستحيل عليه الصلاة والسلام ما يستحيل على جميع الممكنات من أن يؤثر في شيء بنفسه أو يخالف ربه: {قل} أي لهؤلاء الذين خالفوك، وأكد فطما لمن ربما اعتقد- لكثرة ما يرى من الكرامات- أنه مهما أراده فعله الله له: {إني لا أملك} أي الآن ولا بعد {لكم} بنفسي من غير إقدار الله لي لأنه لا مؤثر في شيء من الأشياء إلا الله سبحانه وتعالى.
ولما كان المقام لدفع شرهم عنه، قال: {ضرا} فأفهم ذلك (ولا نفعا ولا غيا) {ولا رشدا} أي صوابا وسدادا.
فالآية من الاحتباك وهو ظاهر على هذا التقدير، قال أبو حيان: فحذف من كل ما يدل مقابله عليه. انتهى.
ويجوز أن يكون تقديره: لا أملك ضرا لأني لا أملك لكم إضلالا ولا أملك لكم رشدا فلا أملك لكم نفعا، فإنه لا نفع في غير الرشاد، ولا ضر في غير الضلال، فقبح الله ابن عربي الطائي الذي يقول في فصوصه: إن الضلال أهدى من الهدى، فلا أسخف عقلا منه إلا من تبعه- عليهم لعنة الله وخزيه، فإن قالوا: إنه أراد غير ما يفهم من ظاهر اللفظ فقل: كذبتم فقد بين مراده إطباقكم على الفسق والفجور لا يكاد يجد منكم من يتهم بمذهبه وهو يتقيد بشرع، ولم تخرج الآية بهذا عن الاحتباك، فإن ذكر الضر أولا دل على حذف النفع ثانيا، وذكر الرشد ثانيا دل على حذف الضلال أولا.
ولما أجاب من تشوف إلى علة صبره عن دفعهم عنه بما حاصله أنه لا شيء بيده، لأن إلهه من العظمة في إحاطة العلم والقدرة وأنه لا يخرج شيء عن مراده فلا يعجل في شيء بحيث لا يفعل إلا ما يريد سواء سئل أو لا، فكان ذلك ربما أوجب أن يظن منه صلى الله عليه وسلم موافقته لهم لئلا يضروه لأنهم يستعجلون في أذى من خالفهم، أجاب ما حاصله أنه بين ضررين أحدهما منهم إن خالفهم، والآخر منه سبحانه وتعالى إن أعرض عنه وهو سبحانه وتعالى يرد أذاهم إن أراد، وهم لا يقدرون على رد أذاه بوجه فقال: {قل} أي لمن يدعوك إلى موافقتهم، وأكد لما في ظن كثير من الناس من أن الأسباب لا تتخلف فقال: {إني} وزاد في التأكيد لأن ذلك في غاية الاستقرار في النفوس فقال: {لن يجيرني} أي فيدفع عني ما يدفع الجار عن جاره {من الله} أي الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه {أحد} أي كائنا من كان إن أرادني سبحانه بسوء.
ولما كان من هو بهذه المثابة ربما هرب منه المطلوب قال مؤكدا: {ولن أجد} أي أصلا.
ولما كانت كل رتبة دون رتبته، وكانت الرتب التي دون رتبته كثيرة جدا لما له من العلو المطلق ولغيره من مراتب السفول التي لا تحد، قال مشيرا لذلك بالجارّ: {من دونه} أي الله تعالى {ملتحدا} أي معدلا وموضع ميل وركون ومدخلا وملتجأ وحيلة، وإن اجتهدت كل الجهد لأن اللحد أصله الميل ولا يقال إلا في ميل من حق إلى باطل، والحد: جادل ومارى وركن.
ولما كان من المعلوم أن هذا شيء لا مثنوية فيه، وكانت الرتب التي دون شريف رتبته سبحانه كثيرة جدا لما له من العلو المطلق وكان ما يليها له حكم شرفها وحقيقها، وكان أول ذلك البلاغ منه سبحانه بلا واسطة ثم البلاغ بواسطة ملائكته الكرام منه، استثنى من {ملتحدا} على طريق لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ففروا إلى الله فقال: {إلا بلاغا} أي يبلغني كائنا {من الله} أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلما، ولكنه لسعة رحمته يجري الأمور على ما يتعارفونه في أنه لا يأخذ أحدا إلا بحجة يعترفون بأنها حجة.
ولما بين الرتبة الأولى التي هي أعلى، أتبعها التي تليها فقال: {ورسالاته} التي أوحي إليّ بها بواسطة الملك فإني أتلقى ذلك حق تلقيه بحفظه والعمل به فيكون، ذلك عاصما من كل سوء في الدنيا والآخرة.
ولما كان التقدير لبيان أن الله شرف الرسل بأن أعطاهم عظمة من عظمته فجعل عصيانهم عصيانه، فيكون جزاء من عصاهم هو جزاء من عصاه سبحانه وتعالى لأنهم إنما يتكلمون بأمره، فمن يطع الله ورسوله فإن له جنة نعيم يكونون فيها مدى الدهر سعداء، عطف عليه قوله: {ومن يعص الله} أي الذي له العظمة كلها {ورسوله} الذي ختم به النبوة والرسالة فجعل رسالته محيطة بجميع خلقه في التوحيد أو غيره على سبيل الجحد {فإن له} أي خاصة {نار جهنم} أي التي تلقاه بالعبوسة والغيظ، ولما عبر بالإفراد نظرا إلى لفظ (من) لأنه أصرح في كل فرد، عبر بالجمع حملا على معناها لأنه أدل على عموم الذل فقال: {خالدين فيها} وأكد المعنى وحققه لقول من يدعي الانقطاع فقال: {أبدا} وأما من يدعي أنها تحرق وأن عذابها عذوبة فليس أحد أجنّ منه إلا من يتابعه على ضلاله وغيه ومحاله، وليس لهم دراء إلا السيف في الدنيا والعذاب في الآخرة بما سموه عذوبة وهم صائرون إليه وموقوفون عليه.
ولما ذكر تلبدهم عليه وقدم ما هو الأهم من أمره من كشف غمومهم بإعلامهم أن ذلك الذي أنكروه عليه هو الذي يحق له، ومن أنه مع ضعفه عن مقاواتهم هو عن الإعراض عن الله أضعف لأن الله أقوى من كل شيء وأنه لا يسعه إلا امتثال أمره، وأشار إلى أنهم عاجزون عن سطواته سبحانه بعدم القدرة على الإجارة عليه، صرح بذلك مهددا لهم، فقال مغييا لتلبدهم عليه: {حتى إذا رأوا} أي بأبصارهم فيه {ما} أي الشيء الذي.
ولما كان المنكي من الوعيد بروكه على كل من كان لأجله الوعيد لا كونه من معين قال: {يوعدون} أي ما حصل الإيعاد في الدنيا أو في الآخرة أما في الآخرة فواضح، وأما في الدنيا فمثل إخراج النبي صلى الله عليه وسلم مع اجتماع المشركين على المكر به لقتله واجتهادهم في ذلك ثم سراياه وغزواته مثل غزوة بدر وغيرها من أيام الله التي ملأت الأرض نورا وأهل الحق سرورا وحبورا، وأهل الباطل خسرا وبورا ورعبا وهلاكا وقبورا {فسيعلمون} أي من ذلك اليوم الذي يكون فيه تأويله بوعد لا خلف فيه ولا طولا لأمده {من أضعف ناصرا} أي من جهة الناصر أنا وإن كنت في هذا الوقت وحيدا مستضعفا أو هم {وأقل عددا} وإن كانوا الآن بحيث لا يحصيهم عددا إلا الله سبحانه، فيا لله ما أعظم كلام الرسل حيث يستضعفون أنفسهم من حيث هي، ويذكرون قوتهم من جهة مولاهم الذي بيده الملك وله جنود السماوات والأرض بخلاف أهل الإلحاد فإنه لا كلام لهم إلا في تعظيم أنفسهم وازدراء من سواهم، وإذا حاققت أحدا من أتباع أحد منهم قال هذا على لسان النبوة- ونحو هذا من مخادعاتهم. اهـ.